الحس المأساوي في الشعر الجزائري القديم -عصر دولة بني حماد – أنموذجا-

بخليلي, السعيد (2008) الحس المأساوي في الشعر الجزائري القديم -عصر دولة بني حماد – أنموذجا-. Masters thesis, UNIVERSITÉ MOHAMED KHIDER – BISKRA.

[img]
Preview
Text
225.pdf

Download (2MB) | Preview

Abstract

لا يزال الشعر الجزائري القديم كمشروع حديث –نسبيا- في التأسيس الثقافي، يثير الفضـول، ويغري بالدراسة والبحث. والمتمعن لتلك الجهود الدراسية وما أفرزته من رؤًى حياله، يخرج باستقراء أولي: أن الحصيلة في الرؤى يتجاذبها منطلقان متباينان إلى حد التناقض. منطلق فاعل متفائل، تجشم صعابه، وولج مجاهله عندما أمسك بتلابيب ما يراه منجيا في مغامرته، مؤثرا التنقيب والنبش في أغواره ـرغم جدب مصادره وندرة منجزه- وحسبه في ذلك إرواءُ ظمإِ الفضول العلمي ولذة البحث والتنقيب. ومنطلق تحاماه مستنكف مستيئس من خواء خزائنه وخرائده، حائدا إلى الاستكانة والاستسلام لضيق الأفق وضغط التشاؤم. فكان فعل المتفائلين رافدا مدرارا من روافد التأسيس لما ينعت اليوم بالأدب لجزائري القديم، ومعينا ملتحدا لطالب العلم والأدب، يستنير به الخطى، ويحتكم بفضله إلى ما يثلج الصدر، ليحاول بدوره استجلاء أسراره المخبوءة، التي لم تقضِ في غمرة عوادي الدهر والضياع. فالشعر، ولا ريب، كان سمة بارزة من سمات المكون الثقافي للحماديين، لما يُـحتكم إليه من الأثر الأدبي والثقافي أجمع، والذي رسا إليه مجداف المجتهدين، ليؤكد شغف الإنسان يومئذ ـحاكما ومحكوماـ بالشعر والشعراء، ومنافستهم نظراءَهم في المشرق والمغرب على تقريب المبدعين، ودفعهم إلى التميز والتباري في كل صنوف التأليف والنظم، فلا غرو بعد ذلك، أن يكون ذاك العصر قبلة جديدة للوافدين، من الطامحين في اصطياد مكان سام تحت ظلاله الوارفة، ومواكبة فجره المنبلج حديثا، على طول امتداد عمر الدولة الحمادية، الذي نيَّف القرن ونصفه. إن المتحري للمنجز الشعري الجزائري القديم، والذي قُيد بإطار زمني محدد، هو عهد دولة بني حماد، بمعطياته المدروسة أو بتلك الموروثة ـ في نطاق الزاد المحدود منهاـ يلحظ بجلاء، ظواهر فنية ووجدانية وموضوعاتية، لونت ظاهر تشكيله اللغوي، وأنماطَ بنياته الفنية، تفرض على العقل سياقاتٍ وأنساقا إبداعية، تدفعه بقوة إلى ساحة الأسئلة الجوهرية: كيف؟ ولماذا ؟ وبماذا ؟ ومتى ؟ وبم ؟ وغيرها من التساؤلات، التي يشرئب الطالب المقبل على البحث، ويتطلع بتوجس إلى الإجابة عنها. فضمن أهم تلك الظواهر يتصدر الحس المأسوي المدونة الشعرية في هذا العهد. فخطاب (الحس) المأسوي -المُعاين في المدونة- في كنهه، يتوحد بوجدانية عارمة مع الفجيعة، والحيرة والقلق ونزوع النفس البشرية إلى الأسى والحزن، وتلحفـّها بالسوداوية القاتمة. و باختصار ما يترجم إحساسها الفاجع بالحياة، في رحلتها القصيرة معها، ومع صروفها ونوائبها، فما أكثرها في مسيرة الإنسان! وما أعمقها "تجربة" في دنيا المبدع " الشاعر"!. من هذا المفهوم المبدئي، يترسخ في الفكر أن التجربة الشعرية في العصر الحمادي، لم تكن لتــنأى، عما ألمّ بالمغرب الأوسط من عظيم الأحداث، تترى عليه وتتعاقب دونما تـوقف، يغذيها صراع سياسي مرير حتى أفل نجم الدولة، وخبا عزها وأدبر. فالحس المأسوي -موضوعاتيًـا- ينجلي في عديد الفنون التقليدية المعروفة في الشعر العربي، كبكاء الإنسان عند ينحني لقدره المحتوم، وتوديع الممالك والمدن والقلاع الزاهرة، عشية تدلهم بها الخطوب والرزايا والكوارث. كما يتجسد في تلك الترانيم الحزينة التي تؤرخ للحظة الضياع، والشعور بالحسرة والقلق، والإحساس بثقل الغربة والاغتراب، وسطوة الحنين الإنساني وجبروته، وغياب رؤيا واضحة لحظة التطلع إلى الانتماء. وتحصيلا لكل ذلك هو إحساس يتشرنق في ثنايا كل ما يتسرب إلى النفس من إحباطات وتمزقات نفسية مضنية، تنتصب بعدها وعيا حضاريا مزمنا داخلها لا يكاد يبرحها. وليس المُستقصَـد هـهنا ادعاء جِـدة هذه الحلقة من الشعر في العصر الحمادي دونما سواه، لأن المنجز الشعري عند العرب، في رحلة حـَبوه الطويلة، توقف عند محطات كثيرة حبلى بلغة المأساة، ولأن الشعر الجزائري أيضا فرع متأصل في الشعر العربي، تدفـّأ بعباءتـه، واستظل بفيء أفنانه. ففي حقل ذلك الموروث الملغم باعتبارات كثيرة، تم اختيار موضوع البحث، فوُسِم بعنوان: الحس المأسوي في الشعر الجزائري القديم-عصر دولة بني حماد أنموذجا- فالاستقرار والثبات على هذا العنوان تضافرت عليه جهود علمية. وكان في الأصل محصلة أسباب ذاتية تقاطعت مع أخرى موضوعية، رغم أن مرجعيته الأساسية -وبكل صراحة- صنعتها فرصة عارضة جميلة، وأجمِلْ بها فرصة ً! يمكن إجمالها ملخصة فيما يلي: 1- الشعور بالانتماء إلى فضاء هذا الشعر جغرافيا ونفسيا يدفع إلى التعاطف معه ومناصرته بما هو مقدور عليه. 2- ندرة الدراسات الأدبية الفنية في الشعر الحمادي، وحاجة الأدب الجزائري القديم إلى جهود إضافية دائمة. يزجي نحو توجيه الدراسة إلى إرثنا الوطني، وإيثاره بالجهد والدراسة. 3-خصوبة العصر الحمادي نسبيا أكثر من غيره بالتجربة الشعرية التي يـُستأنس بها للإقدام على الحفر في مدوناتها، واطمئنان البال لكفايتها، ونضجها الفني والموضوعي. 3- بروز موضوع الخطاب المأساوي كظاهرة موضوعاتية، فرضت نفسها على باقي الظواهر، بروزٌ يجعلها عامل جذب لتلمس طريق المحاولة لتحليلها وفهم حقائقها السوسيولوجية والنفسية. وبما أن الفرصة ذاتها أتاحت للفكر الاستقرار عند الموضوع المبرز أعلاه، يجد المرء نفسه عند تأمل هذا الخطاب المأسوي محاصرا بكثير من الأسئلة التي كان بعضها هاجسا مؤرقا، لم يهدأ إلا بعد الاستئناس بالجهود والمعايير التي قدمها ووضعها الأساتذة الرواد. من هذه الأسئلة على وجه التمثيل لا الحصر: من يكون الشاعر الجزائري الحمادي؟ وكيف نحتكم إلى حقيقة هويته؟ ما حقيقة الحس المأسوي في الشعر الجزائري القديم؟ وما هي الأغراض الشعرية التي تجلّى فيها؟ وما حقيقة المرجعيات والبواعث التي أبرزته في العهد الحمادي بالذات؟ وإلام تـُـعزى خصوبة مثل هذا الخطاب ؟ ماذا يجسد خصائصه من الوجهة الفنية؟ وفيم تجسدت خيارات الشاعر في تشكيل بنيته الفنية، لغة، وإيقاعا ، وتركيبا ؟ وهل المنجز الجزائري استطاع أن يستميز بنفسه عن غيره من الشعر العربي؟ وإن كان شأنه كذلك، فبم استماز؟ وغيرها من الأسئلة التي استعصت أحيانا على الإلمام وتمردت على البحث. ولعل مثار هذه الأسئلة انطلق من معاينة الدراسات الجزائرية الجـادة، وغيرها. تلك التي اتخذت من الموروث الأدبي الجزائري القديم مسترادا للدراسـة والبحث، ولا يلقى الطالب غيرها لواذا، وقد يدرك القارئ بسرعة -من خلالها- أن الهمة والعزم عند أصحابها لم ينفكا يخرجان عن غاية واحدة، هي التأسيس لمشروع أدبي يساير المشروع الوطني العام بعد الاستقلال. وككل تأسيس جديد يستوجب الانطلاق من أدب جزائري قديم غابت ملامحه فيما مضى، عن طريق التـنقيب والتخريج والبعث، في محاولة لنفض الغبار عليه لسد الخواء الفظيع الذي تركه رواد الدراسات الأدبية الحديثة عن قصد، بدافع التردد المبرر بضحالة الزاد، أو عن غير قصد، لغياب تصور وتقدير صائبين لقيمة ما هو موجود وقائم، ولربما يكون لقصر عمر التجربة في هذا المجال مندوحة أخرى للدارس لتبرير غياب التركيز في دراسة الظواهر الخطابية المختلفة، فهذه الدراسات إذ تملأ الراحة بغناها المعرفي والتاريخي، فهي لا تروي ظمأ التائق إلى دراسات تخترق جسد النص الجزائري القديم وتتحسس نبضه، و تتمثل في المؤلفات الآتية: - الأدب في عصر دولة بني حماد: أ/ أحمد ابو رزاق - المغرب العربي، تاريخه وثقافته: أ/ رابح بونار - تاريخ الأدب الجزائري: أ/ محمد الطمار - الأدب الجزائري القديم-دراسة في الجذور: أ/عبد المالك مرتاض - بكر بن حماد، شاعر الدولة الرستمية: أ/ محمد الأخضر السائحي ولعله من المفيد الإشارة هنا أن هذه المراجع، إضافة إلى مصدر أساسي هو خريدة القصر وجريدة العصر: للعماد الأصفهاني، تمثل أغلب زاد الباحث، الذي يود التقرب إلى الشعر الجزائري في عصر بني حماد أو في عصر الدويلات الأخرى. أما منهج البحث فيقوم على ثلاث ركائز أساسية: الأولى: الوصف الثانية: التحليل والإحصاء الثالثة: استخلاص النتائج غير أن المقام هنا يدفع إلى توضيح أمرين مهمين في المنهج : الأول: أن البحث يستطرد إلى بعض القضايا المتعلقة بتاريخ الدولة الحمادية أو بتراجم الشعراء. والثاني: أنه يستند في الدراسة الفنية إلى المصطلحات البلاغية والنحوية كوسائل إجرائية، هي التي تتداول عادة في مستويات الدراسة الأسلوبية، وعليه يتحدد من هذين الأمرين ملامح منهجين آخرين، يستند إليهما البحث ويستنير بضوئهما، لايفتآن أن ينضويا تحت التحليل والوصف والإحصاء، وهما المنهج التاريخي، والطريقة الأسلوبية في مقاربة النصوص.

Item Type: Thesis (Masters)
Subjects: P Language and Literature > PV Arabic
Divisions: Faculté des Lettres et des Langues > Département de langue arabe
Depositing User: BFLLA
Date Deposited: 23 Apr 2018 07:52
Last Modified: 23 Apr 2018 07:52
URI: http://thesis.univ-biskra.dz/id/eprint/3545

Actions (login required)

View Item View Item